top of page
بحث

بين نظريات علم الاجتماع والعمل الأمني في المنظمات الدولية: قراءة مزدوجة للمخاطر في الميدان الإنساني

  • صورة الكاتب: TA Sh
    TA Sh
  • قبل يومين
  • 2 دقيقة قراءة
ree

بقلم: طايل الشوبكي

في البيئات الإنسانية الهشة، هل يكفي أن نتعامل مع الخطر كما يبدو؟ أم أن ما يهدد الفرق الميدانية لا يقتصر على البنادق والانفجارات، بل يمتد إلى معانٍ اجتماعية خفية، وتوازنات دقيقة لا تُقرأ إلا من الداخل؟

في العمل الإنساني، الاستجابة الأمنية التقليدية غالبًا ما تنحصر في التعامل مع التهديد بوصفه فعلًا مباشرًا يمكن تحييده بخطة أو تدبير وقائي. لكن المخاطر، كما أثبتت التجربة الميدانية، لا تُصنع فقط من الوقائع، بل من الرموز والسياقات والبنى الاجتماعية المتشابكة التي تُنتج الخطر ثم تُفسّره بطريقتها الخاصة.

مشهد من الميدان: التهديد غير المُعلن

خلال إحدى مراحل النزاع في شمال غرب سوريا، كانت منظمات العمل الإنساني على مقربة من منطقة تحركت باتجاهها مجموعة مسلحة محلية. التقييم الأولي أوصى بتشغيل بروتوكولات الأمن: تقليص الحركة، وضع خطة انسحاب، تنشيط الاتصال. لكن تحليل السياق كشف أن تحرّك المجموعة لم يكن عدائيًا بقدر ما كان مشبعًا بدلالات رمزية محلية—يتعلق الأمر بموقعٍ يحمل حمولة معنوية كبيرة لدى سكان المنطقة، لارتباطه بتاريخ السيطرة والنفوذ.

وجودنا في ذلك الموقع لم يكن خطرًا بحد ذاته، لكنه فُسّر من قبل أطراف محلية باعتباره انحيازًا ضمنيًا. لم يكن الخطر ظاهريًا فقط—بل رمزيًا، تعبيريًا.

نظرية الصراع: التهديد كلغة للهيمنة

لفهم هذه الخلفية، استعنت بـ نظرية الصراع التي يعود أصلها إلى كارل ماركس، والتي ترى أن المجتمع لا يقوم على التوازن، بل على تنازع الطبقات والمصالح. من هذه الزاوية، يُصبح التهديد الأمني في الميدان انعكاسًا لعدم عدالة اجتماعية، أو شعور مزمن بالإقصاء، ما يدفع الأطراف الأضعف إلى إعادة التوازن من خلال إظهار القوة أو تعطيل المشاريع. الخطر هنا ليس تقنية عسكرية بل لغة احتجاج غير مُعلنة.

نظرية التفاعل الرمزي: حين تُصاغ المخاطر من المعنى

لكن الأمر لا يقف عند اختلال البنية؛ فوفق نظرية التفاعل الرمزي كما طوّرها جورج هربرت ميد، التفاعل الاجتماعي لا يُبنى على "الواقع" وإنما على تفسير الناس له. من هذه الزاوية، تُصبح التفاصيل الصغيرة—كلباس الفريق، أو رموز المنظمة، أو نبرة الحديث—شيفرات اجتماعية تُفكك بطرق متعددة. وقد تتحول أبسط الإشارات إلى دوافع استنفار أمني لدى المجتمع إذا ما أُسيء فهمها في لحظات التوتر.

المعرفة المتعددة: رأس مال فريق الأمن

في ضوء ما سبق، يصبح لزامًا على المستشار الأمني أو قائد الفريق أن يمتلك تنوعًا معرفيًا وسلوكيًا يُمكنه من فهم التهديدات بشكل مركب. هذا التنوع يشمل:


  • قراءة البنية السياسية والاجتماعية (النظرية).

  • إدراك المعاني الرمزية وردود الفعل التلقائية (الممارسة).

  • مرونة سلوكية تتأرجح بين الحزم والتعاطف، وبين الحياد والمصداقية.


هذه المهارات لا تُدرّس في كتيبات الأمن، لكنها تُكتسب ميدانيًا—وعادةً ما تكون غير مرئية للمنظمات، رغم أنها تُشكّل الفارق الحقيقي بين الأزمة والاستقرار.

معضلات العمل الإنساني: التوتر الدائم بين المبادئ والواقع

حتى مع توافر التحليل والسلوك المناسب، يواجه العاملون الإنسانيون معضلات صعبة:


  • الحياد مقابل القراءة السياسية للميدان،

  • الوصول الإنساني مقابل القبول المجتمعي،

  • التمويل الدولي مقابل أولويات السكان المحليين.


هذه التناقضات لا تُحل بالأدوات التقنية وحدها، بل تحتاج إلى بصيرة أخلاقية وسوسيولوجية تُمكّن صاحب القرار من الموازنة الدقيقة بين الفعل المهني والحس الإنساني.

خلاصة: نحو أمن يرى البُنى ويتفاعل مع الرموز

الاستجابة الأمنية الفعّالة لا تتوقف عند إحداثيات التهديد، بل تبدأ بفهم البنية التي تُنتجه، والرموز التي تُعطيه شكله ومعناه. عندما يتحول المستشار الأمني إلى قارئ اجتماعي ومترجم سياقي، يصبح الأمن أكثر من مجرد حماية—it becomes a form of understanding.

 
 
 

تعليقات


bottom of page